قصة الضائعة بلعباس عبد القادر
قصة الضائعة بلعباس عبد القادر
كالعادة هو يوم عادي من أيام فؤاد ككل الأساتذة. لقد صار له عقود وهو يزاول هذه الوظيفة. فؤاد أستاذ أنيق ومهذب يحترمه جميع سكان القرية التي حوِّل إليها منذ حوالي خمس سنوات.
يجلس فؤاد في هذا الجو الشتوي البارد على كرسي حديدي واضعا محفظته على طاولة خشبية مهترئة. منتظرا النادل الذي طلب منه فنجان قهوة.
– يبدو أنها ستمطر إن هذا البرد الشديد لا يصحبه إلا المطر؛ فرد شخص آخر: لا هذا البرد لا يصحبه إلا الثلج.
– لقد فاز فريق الزرقاء أمس أمام فريق الحمراء بنتيجة ثقيلة.
– تم رفع معاشات المتقاعدين.
هكذا كانت الأصوات ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى حول فؤاد. فالمقهى مكان يعج بسكان القرية
الجميع يحيي الأستاذ فؤاد عند دخوله أو خروجه. وأخيرا جاء النادل بفنجان القهوة. ارتشفها الأستاذ بوجدانه قبل شفتيه؛ إنها دم يضاف إلى الجسم فيغذيه لكي يتمكن من التركيز أثناء التدريس. مازال ينتظره يوم طويل وبارد.
وفي خضم هذا الزخم وهذه الضوضاء. فتح النادل جهاز المرناة إنه الوقت الذي يبدأ فيه بث البرامج. والأخبار الجديدة. يبدو من خلال السكون الذي ضرب. أن هذا هو الجهاز الوحيد في القرية. اشرأبت أعناق القوم وعم صمت رهيب وكأن أمرا جللا حدث.
ألقى الأستاذ من يده الجريدة نعم هي جريدة قديمة مضى عليها حوالي أسبوع.
لا أحوال الطقس البارد تهم سكان القرية؛ ولا أخبار الرياضة؛ ولا الزيادات في الأجور والمعاشات. فالفتاة غادة مازالت مفقودة والكل يبحث عنها. لقد أخذت قضيتها بعدا إعلاميا ملفتا للنظر. كل الجرائد والإذاعات والتلفزات تداولت خبر إختفاءها بطريقة درامية. كانت صور أمها وهي تبكي تثير الشفقة. إنها ظاهرة نادرة أن يتم إختفاء فتاة تبلغ من العمر ثلاتة عشر سنة هكذا. وتعجز كل السلطات في العثور عليها.
كالعادة لا جديد منذ حوالي عشرة أيام على إختفاءها. لقد تم بث صور أمها وهي تناشد السلطات وكل من يستطيع مساعدتها في العثور على فلذة كبدها.
ما إن انتهى الخبر حتى عمت الفوضى من جديد في المقهى. وأخذت الأحاديث الجانبية والتحليلات. عن مصير الفتاة غادة.
هل حقا هناك كائنات تخطف الأطفال. ربما ذهبت إلى ذلك المكان المجهول الذي يخشى جميع السكان الذهاب إليه.
فبالرغم من أنها أسطورة قديمة يصعب تصديقها، إلا أن البعض بدأ يلج إلى نفسه الشك والخوف معا.
فصحتها تتأكد تقريبا كل يوم.
نظر الأستاذ فؤاد إلى ساعته. لقد حان وقت الذهاب إلى المدرسة. أراد أن يدفع ثمن فنجان القهوة فرفض النادل أن يقبل منه النقود ككل صباح.
تجاوز الأستاذ الأربعين سنة ولم يتزوج بعد. فهو يعيش في شقته وحيدا، مجهولا لا يكاد يعرفه أحد؛ حتى زملاءه في التدريس. الذين يعيشون خارج القرية يجهلون ماضي هذا الأستاذ وحياته الشخصية.
خرج الأستاذ من المقهى، فعلا بدأت تمطر. طالما وعد عمدة القرية بتعبيد الطريق الموحلة والمملوءة ببرك المياه. غير أن وعوده كانت كلها من أجل بقاءه في منصبه. لقد أرهق السكان بهذه التصرفات غير المسؤولة. إنه مسؤول لا يهمه سوى جمع الأموال بالطرق الملتوية وتحويلها إلى بنوك أجنبية. جميع السكان يعلم هذا؛ بمن فيهم الأستاذ نفسه.
أثناء عبور الأستاذ فؤاد إلى الجانب الآخر من الطريق. لاحظ وجود امرأة. اِعْتَقَدَ أنه يعرفها منذ زمن. كانت تجلس على حافة الطريق. بأسمالها.
نظرت إليه هي بدورها وأطالت النظر. يبدو أنهما يعرفان بعضهما جيدا. فرسم العينين وبريق النظر يوحي بذلك؛ لكن من تكون بالنسبة له؛ ومن يكون بالنسبة لها؟
وأثناء تبادل هذه النظرات. سمع الأستاذ فؤاد صوت منبه سيارة زميله الأستاذ مصطفى. فذهب إليه مسرعا، ركب في السيارة. وقفلا إلى إلى المدرسة. رأى الأستاذ مصطفى. الأستاذ فؤاد. لمَّا كان ينظر إلى تلك المرأة؛ ولأنه إنسان فضولي ومرح. بادره بالسؤال، عن سبب نظره الطويل لها؛ لأنه لم ينتبه إلى منبه السيارة إلا في المرة الثانية أو الثالثة.
لم يجب الأستاذ فؤاد.
مصطفى: إنها امرأة صماء وخرساء. تسكن في بيت قديم، ونائي عن القرية. توفي عنها زوجها وترك لها طفلة هي من ذوات الاحتياجات الخاضة. لا تأتي إلى هذه القرية كثيرا… إنها امرأة مسكينة ألقت عليها الحياة بكل ثقلها. فلم يخطئها منها هم ولا مصيبة…
كان الأستاذ فؤاد ينصت إلى كلام الأستاذ مصطفى. وصور المرأة المسكينة ترتسم في مخيلته. لم يخطئها من الدنيا هم ولا مصيبة…
تذكر الأستاذ فؤاد. أمَّهُ التي لم يزرها منذ زمن؛ وكذلك تذكر والدة الفتاة غادة المفقودة وهي تناشد الناس لمساعدتها في العثور على ابنتها.
ارتطمت عجلة السيارة بحجرة في الطريق الموحلة. فأحدثت صوتا نبه الأستاذين. لأن كلاهما سرح بعيدا بخياله بعيدا.
هنا تذكر الأستاذ فؤاد شيئا مهما.
فطلب من زميله أن يوصله إلى بيت المرأة الخرساء.
اندهش الأستاذ مصطفى! لأن الوقت لا يسمح لهما بذلك. فطلب منه أن يؤجل هذا حتى المساء. أي حتى نهاية فترة دوامهما لأن ذلك سيكون أنسب للمرأة ولهما.
بقي فؤاد منشغل البال طوال النهار. منتظرا نهاية الدوام بفارغ الصبر. وعند المساء ذهبا هو ومصطفى إلى بيت المرأة الخرساء…
كانت الطريق المؤدية إلى بيتها صعبة المسالك؛ كان الأستاذ فؤاد يفكر كيف لمثل هذه المرأة ضعيفة البنية، متقدمة في السن أن تجد القوة والعزيمة الكافيتين لعبور مثل هذه المسالك؟! نعم إنها غريزة الأمومة… أو قل حب الحياة من أجل الحياة… إن الحياة شعور ليس يساويه شعور وأن تحيا من أجل هدف تريده ستجد القوة والعزيمة الكافيتين لتتخطى كل العثرات.
وأخيرا ظهر لهما كوخ… بدا في أول الأمر مهجورا نعم إنه مهجور ليس من أجسام البشر بل من أرواحهم…
استأذنا المرأة للدخول…
وكانت المفاجأة…
الفتاة غادة التي يبحث عنها الجميع تتطوع لخدمة ابنة المرأة الخرساء.
قصة قصيرة
بلعباس عبد القادر / الجزائر